سياحة

استكشاف مفهوم المحلية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي: طريقٌ إلى السياحة المستدامة

بقلم دانيال تايلور، المدير التنفيذي لشركة لاندور اند فيتش

تشتهر دول مجلس التعاون الخليجي بموارد الطاقة الهائلة وأنماط الحياة المريحة في عام 2022، حيث مر أكثر من 100 مليون مسافر عبر مطاري قطر والإمارات العربية المتحدة وحدهما. ومع ذلك، فإن هذه المنطقة هي أيضاً موطن غني بالتراث الثقافي والطبيعي الذي غالباً ما يغيب عن السياح، ولتحقيق تجربة الإحساس الفريد بروح المكان في دول مجلس التعاون الخليجي، يجب أن تتبنى العلامات التجارية للسفر والترفيه مفهوم “المحلية”. وهذا يعني التركيز على كل شيء محلي من الأعمال التجارية والعلامات التجارية المتنوعة في الغذاء والفنون والحرف اليدوية، إلى جانب تعزيز التوظيف المحلي والاستدامة البيئية. 

إذا ألقينا نظرة على المملكة العربية السعودية، نجدها وجهة ذات تنوع جغرافي غني، وتختلف ثقافياً عن العديد من جيرانها. بصرف النظر عن أن العديد من الناس يصنفون الشرق الأوسط أو دول مجلس التعاون الخليجي كمجموعة واحدة من البلدان ذات الثقافة الواحدة، تتميز المملكة بأطلال نبطية مذهلة في العلا مثل تلك الموجودة في الأردن، وجغرافيا متنوعة تمتد من سواحل خليج العقبة والبحر الأحمر في نيوم إلى الجبال التي تحافظ على الثلوج لفترة من الشتاء في تروجينا، إلى التلال الخضراء في محافظة عسير جنوباً، اجتماعها في بلد واحد يجعله وجهة فريدة ليس كأي مكان آخر على الأرض. 

وفي سياق الاستدامة، يعد مفهوم المحلية أمراً بالغ الأهمية لتعزيز الأعمال التجارية في المنطقة والثقافة المحلية، فبهذه الطريقة يمكن أن تؤدي السياحة كصناعة دوراً مهماً في رفع الناتج المحلي الإجمالي إضافة إلى دورها الرئيسي في تسليط الضوء على العلامات التجارية المحلية أكثر من العلامات التجارية العالمية. ولا تقتصر أهمية الاستدامة الشاملة على الجوانب اقتصادية فحسب، ولكنها تُعنى أيضاً بدوام سلامة الإنسان والبيئة. تنمية السياحة أحد الركائز الأساسية لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، وبالالتزام بالمساهمة الإيجابية في الاستدامة البيئية، إلى جانب الاستثمار المحلي والتوظيف، تتضح أهمية مفهوم المحلية في تطوير السياحة. 

السياحة مسؤولة عن ما يقارب 8% من انبعاثات الكربون، بما في ذلك المباني، والنقل، والسكن، والمأكولات والمشروبات التي تساهم كلها في الآثار السلبية. ومن خلال التركيز على الاحتياجات المحلية والأجندات المحلية في السياحة، يمكن أن إحداث أثر إيجابي في هذه الجوانب السلبية. تعتبر “أمالا” في المملكة العربية السعودية مثالاً رائعاً على كيفية نمو الوجهة محلياً، واستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والحفاظ على سياسة السماء المظلمة، وترك غالبية العناصر الطبيعية، مثل الساحل، مع النباتات والحيوانات البحرية وعلى الأرض دون تغيير قدر الإمكان أثناء تطوير الوجهة. 

كما أن السياحة المحلية تدعم الاقتصادات المحلية وتعزز المرونة الاقتصادية والازدهار. فتستفيد المطاعم والمتاجر والمحلات ومنظمو الرحلات المحلية وحتى الشركات الزراعية من نمو السياحة في المنطقة المحلية، وهذا يعني أن هذا الدخل المتزايد يصبح زيادة في الاستثمار الاقتصادي المحلي. وفي عام 2022، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها عازمة على استثمار تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة في قطاع السياحة، دعماً لهدفها المتمثل في جذب 100 مليون سائح كل عام بحلول عام 2030. 

يجب على العلامات التجارية دمج الأطعمة والفنون والحرف المحلية في عروض السياحة والضيافة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يرغب المسافر في تجارب أصيلة، والعنصر الرئيسي لأي تجربة أصيلة هم السكان المحليون، فأصالة المعرفة والثقافة تسهم في تفرد الوجهة وتميز التجربة، والأهم من ذلك، السفر بنتيجة هادفة. 

أحد أكبر التحديات في تحقيق ذلك هو ضمان مشاركة المجتمع المحلي عند تبني مفهوم المحلية في صناعة السفر والترفيه. ففي الوجهات الجديدة، غالباً ما يتم دعوة العلامات التجارية العالمية لخبرتها في تشغيل مرافق قطاع الضيافة، ويتيح حجمها فرصاً استثمارية لنموذج أعمال مفهوم. ومع ذلك، فإن هذا النموذج يمكن أن يخذل الاقتصاد الكلي “المحلي” إذا لم تأخذ السياحة في الاعتبار المجتمع المحلي، ودمج الثقافة والاحتياجات المحلية والإمكانات ذات الصلة في احتياجات الاقتصاد الكلي لاستراتيجية السياحة في أي بلد. 

ويشكل مفهوم المحلية في منطقة مجلس التعاون الخليجي طريقاً إلى السياحة المستدامة، فمن خلال تعزيز الأعمال التجارية المحلية والثقافة وريادة الأعمال والاستدامة البيئية، يمكن للسياحة أن تُنمّي الناتج المحلي الإجمالي للوجهة بينما تدعم أيضاً المرونة الاقتصادية والازدهار. 

يجب أن تعطي العلامات التجارية العالمية الأولوية للاندماج السلس مع المجتمعات المحلية من أجل الانسجام مع قيم وتقاليد الوجهة وتجسيدها بالكامل. هذا أمر بالغ الأهمية للعلامات التجارية العالمية، إذا أرادت أن تكون جزءاً من صناعة السياحة التي يعطي المسافر فيها الأولوية للتجارب الأصيلة بدلاً من الفعاليات التي تعتمد على وجود علامات تجارية شهيرة. 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مشاركة المقال على:

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn

مواضيع ذات صلة:

مقالات
syyaha admin

الاحتفاء بالثقافة السعودية: قطاع الضيافة والتواصل الثقافي

بقلم: بانوس لوباسيس، المدير الإداري لسوق تركيا، الشرق الأوسط وإفريقيا، لدى مجموعة فنادق ومنتجعات ويندام ونحن نستذكر الاحتفالات الأخيرة باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، فإننا

اقرأ المزيد »
مقالات
syyaha admin

الدكتورة زبيدة حمادنة: سلطنة عمان لديها تاريخ ثقافي طويل وهي صاحبة أول دار للأوبرا في الخليج

من مطار الملك خالد الدولي في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، انطلقت نحو مسقط على الخطوط الجوية العمانية، حيث عاصمة سلطنة عمان، ذلك البلد الجميل،

اقرأ المزيد »
arArabic