في ولاية غيرسون الواقعة على سواحل البحر الأسود في شمال تركيا توجد قرية كوش كوي ، إن كنت لا تعلم حكاية وسر هذه القرية فلن يمكنك تمييزها عن غيرها من القرى المتناثرة في شمال تركيا الساحر .
قرية كوش كوي هي قرية صغيرة وهادئة كمثيلاتها من القرى المجاورة ولكن ما يميزها عن غيرها هو اسمها والذي يعني قرية الطيور ، تأتي هذه التسمية من لغة الصفير المشابهة لصوت الطيور والتي تستخدم للتواصل بين سكان هذه القرية .
كوش باللغة التركية تعني الطيور ، وكوي تعني قرية ، هنا جميع سكان القرية يتواصلون بلغة فريدة منذ أكثر من 4 قرون ، اللغة تسمى صفير الطيور أو كوش ديلي باللغة التركية KusDili .
منذ أكثر من 400 عام اخترع سكان هذه القرية لغة الصفير لتصبح وسيلتهم في التواصل خاصة مع تباعد المسافات بين منازل ومزارع سكان القرية والتي تنتشر بين الجبال ، حيث يتحول كل حرف من اللغة التركية الى نغمة صفير معينة ومحددة شبيهة بصفير الطيور والعصافير ، وتكون هذه النغمة مفهومة للجميع بحيث يمكن حتى تركيب جمل كاملة للتواصل بها .
وبما ان الصفير يمكن ان يسمع لمسافة 3 كيلومترات كما يقال ، فقد أصبحت هذه اللغة هي وسيلة التواصل الأسرع والأسهل بين سكان هذه القرية سواء بين المنازل أو خلال العمل في حقول الشاي والبندق التي تشتهر بها هذه القرية كمثيلاتها في شمال تركيا .
حاليا وطبعا بسبب سهولة التواصل عن طريق الأجهزة الالكترونية الحديثة فقد قل الاعتماد في التواصل على لغة الصفير ، فقط بقي استخدامها على نطاق محدود بين الرعاة وبين كبار السن من أهل القرية .
ولكن هذا لا يعني عدم الحفاظ على هذا التراث الذي يميز هذه القرية عن غيرها في تركيا وفي العالم تقريبا ، فقد تعاقبت الأجيال ولكن حرص جميع أهل القرية على تعليم كل جيل لهذه اللغة حتى لا تندثر .
وقد حرص القائمين على السياحة التركية على ترتيب زيارات للسياح من مختلف أنحاء العالم للاطلاع وزيارة هذه القرية المميزة والتواصل مع أهلها والاستماع لتخاطبهم فيما بينهم بلغة الصفير ، وهذا ما تسنى لمحررنا من خلال زيارة تمت مؤخرا بتنظيم من الخطوط الجوية التركية .
وجميع زوار القرية يتم الترحيب بهم بلغة الصفير من الصغار والكبار ، كما يتم استقبالهم بالغناء والرقصات التراثية .
أيضا ومنذ عام 1997 يقام مهرجان سنوي للاحتفال بلغة الصفير والتعريف بها والعمل على بقائها وتداولها بين السكان .
كما أن هذا الحرص للحفاظ على هذه اللغة أثمر إدراجها في عام 2016 على ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة .
القرية تبعد حوالي الساعتين سواء كنت قادما لها من مدينة طرابزون المذهلة أو أردو مدينة الاكسجين في الشمال التركي .
