بقلم- الدكتور روس كوران، أستاذ مشارك بجامعة هيريوت وات دبي
تعد الخدمة الشخصية المتميزة والبنية التحتية عالية الجودة والتركيز على مفهوم الإستدامة من الركائز الأساسية لصناعة السياحة الفاخرة بشكل متزايد. لقد زادت أهمية السياحة الفاخرة على مستوى العالم، حيث يسعى عدد متزايد من الزوار إلى الحصول على تجارب متميزة مدعومة بوسائل راحة عالمية المستوى. تسهل السياحة الفاخرة درجة من التخصيص التى تلبي احتياجات السائح في العصر الحديث، على أمل الحصول على تجربة سياحية أكثر خصوصية وأصالة. وصلت قيمة سوق السفر الفاخر العالمي لعام 2022 إلى 1.28 تريليون دولار أمريكي، مع توقعات تشير إلى نمو يصل إلى 2.47 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2031. وتشهد دولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا طفرة في السياحة الفاخرة، مع عروض فاخرة – تتجلى في معظم العروض السياحية في الإمارات العربية المتحدة وتستمر فى التوسع. يواصل قطاع السياحة في دولة الإمارات العربية المتحدة التوسع في عروضه المتميزة من التجارب الفاخرة التي يمكن أن تدعم الميزة التنافسية على المدى الطويل، نظرًا لتميزها الكبير. تساهم الاستثمارات في أماكن الإقامة الراقية والأنشطة الترفيهية الحصرية والمطاعم الفاخرة والخدمات الشخصية في المنطقة في توفير باقة فاخرة يمكن أن ينظر إليها الزوار بشكل أكثر استدامة على أنها قيمة مقابل المال كما تحمي القطاع من المنافسين الجدد من الدول الأقل نموًا الذين يدخلون السوق بعروض أقل جودة. تظهر الأبحاث أن التركيز على تطوير الجودة بدلاً من الكمية فقط يمكن أن يسهل علاقات مثمرة. وخاصًة في قطاع السياحة – المعروف بحساسيته للعوامل الخارجية.
بالإضافة إلى نمو الشعبية، يتطور اتجاه السفر الفاخر أيضًا لتلبية المتطلبات المتغيرة للقطاع والشريحة الأكثر استخدامًا الا وهم جيل الألفية الناشئ الذي يمتلك الآن دخلاً يمكّنه من المشاركة في تجارب السياحة الفاخرة. يسعى العدد المتزايد من المسافرين في هذه الفئة إلى المزيد من التجارب الفريدة والشخصية. يمكن لهذه المجموعة اختيار الإقامة في منتجعات حصرية أو اختيار الرحلات البحرية الفاخرة التي توفر وسائل راحة وخدمات عالية الجودة. يغير جيل الألفية الطريقة التي يُنظر بها إلى السفر الفاخر. إنهم يقدرون التجارب أكثر من الممتلكات المادية ويفضلون المغامرات الحقيقية . ونتيجة لذلك، هناك زيادة في تجارب السفر الفريدة التي تلبي تفضيلاتهم، مثل المنتجعات الصديقة للبيئة والتبادلات الثقافية الغامرة. وتستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من هذه العروض، على سبيل المثال، منتجع كازا ميكوكو في أم القيوين، حيث يمكن للضيوف المشاركة في الأنشطة المائية أثناء إقامتهم في نزل شاطئي فاخر وسط أشجار المانغروف الطبيعية. علاوة على ذلك، يمكن للمسافرين في العديد من المواقع الاستمتاع بجولات مخصصة مع فرص لتعلم مهارات جديدة واكتساب رؤى حول ثقافة المدينة المضيفة، على سبيل المثال من خلال جولات الطهي مع تجارب الطهي العملية.
لا يقتصر قطاع السفر الفاخر على مجرد تقديم تجارب فاخرة، بل يمكنه أيضًا إعطاء الأولوية للمبادرات الصديقة للبيئة ودعم الحفاظ على الثقافة في قطاع السفر. اتخذت الفنادق والمنتجعات في دولة الإمارات العربية المتحدة خطوات لتقليل بصمتها البيئية من خلال تطبيق ممارسات صديقة للبيئة. ومن الأمثلة على ذلك منتجع المها الصحراوي في دبي، الذي يعتمد بشكل كامل على الطاقة الشمسية ويستخدم تقنيات الإدارة المستدامة للمياه. تتبنى العلامات التجارية للضيافة الفاخرة تصميمًا وهندسة معمارية صديقة للبيئة لتقليل بصمتها الكربونية مع الاستمرار في تقديم مستويات عالية من الخدمة والراحة. من المنتجعات البيئية في المناظر الطبيعية إلى الفنادق الفاخرة المعتمدة من LEED في المراكز الحضرية، تستخدم هذه العلامات التجارية مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات الموفرة للطاقة ومواد البناء الخضراء من أجل اتباع نهج مستدام لتوفير أماكن الإقامة الفاخرة. بالإضافة إلى ذلك، يوفر قطاع السفر الفاخر سُبل تناول الطعام المستدام بشكل متزايد. ويشمل ذلك المأكولات التى تحتوى على مكونات عضوية طازجة من مصادر محلية. وهذا لا يعزز تجربة تناول الطعام فحسب، بل يفيد أيضًا المزارعين المحليين ويساعد في تقليل التأثير البيئي لنقل الطعام. علاوة على ذلك، يقود الطهاة المشهورون الحائزون على نجمة ميشلان الطريق في الترويج للمأكولات البحرية المستدامة، والدعوة إلى قوائم طعام نباتية، وتقديم استراتيجيات خالية من النفايات. وهذا يوضح أن المأكولات الراقية يمكن أن تكون مسؤولة بقدر ما هي لذيذة.
يعد النقل جانبًا مهمًا آخر من جوانب السياحة الفاخرة التي تشهد تحولًا مستدامًا. أصبحت الطائرات واليخوت الخاصة، التي كانت ذات يوم رمزًا للسفر الفاخر، محط انتقادات متزايدة بشأن المخاوف من انبعاثات الكربون. ووفقا للتقارير، يشكل السفر الجوي حوالي 2.5 في المائة من إجمالي انبعاثات الكربون على مستوى العالم. ومن المثير للدهشة أن 1% فقط من سكان العالم مسؤولون عن ما يقرب من نصف كل هذه الانبعاثات الناجمة عن الطيران. وتستكشف شركات السفر الفاخرة الآن بدائل صديقة للبيئة حيثما أمكن ذلك، مثل المركبات الهجينة أو الكهربائية للنقل البري والنقل من المطار، وبرامج تعويض الكربون للسفر الجوي والبحري. يذكر الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) أن أكثر من 50 شركة طيران نفذت برامج تعويض الكربون لمساعدة الركاب على تعويض الأثر البيئي لرحلاتهم.
مع استمرار قطاع السياحة الفاخرة في التوسع والتطور، فإنه سيلعب دورًا متزايد الأهمية في تشكيل مستقبل صناعة السياحة. وبالتالى يمكن للسياحة الفاخرة أن تثبت جدوى الحلول المبتكرة لبعض أكبر التحديات التي تواجه قطاع السياحة وتدعم اعتماد الممارسات المستدامة على نطاق أوسع. إن التركيز على الجودة في قطاع المنتجات الفاخرة يمكن أن يدعم أيضًا تحديد أولويات تطوير الموظفين مما قد يؤدي إلى تأثير أكثر استدامة على المجتمعات المضيفة والاقتصاد ككل.
في عالم سريع التغير، توفر السياحة الفاخرة المستدامة طريقًا لتبني ممارسات مستدامة على نطاق أوسع. إنه يوضح أن الاستدامة والتجارب السياحية يمكن أن تعمل معًا، مع الإدارة الدقيقة، وتشير إلى أن السياح لديهم طريق لمواصلة المشاركة في إثراء التجارب الفاخرة، مع الاستمرار في دعم الحفاظ على البيئة لسنوات قادمة.