الأحياء التاريخية: تجربة المشي بصحبة التاريخ

 كان يوماً رائعاً الذي قضيناه بين الزوايا الجديدة من المدينة العتيقة في مدينة ينبع البحر… هذا كتاب تاريخ، ونحن نمشي بين صفحاته، ونجلس أحياناً مع أقداح قهوة.


تمت إعادة كتابة التاريخ، ليس الحبر على الحبر، بل الحجر على الحجر، تغليف التاريخ بلمسة عصرية، مع الحفاظ على روح المكان الممتد عمرها أكثر من أربعمائة سنة، له عروق تاريخ متصلة بأسواق شبه الجزيرة العربية  وأفريقيا وأغصان عصرية ترفرف عليها الأسر المنتجة، وصناعة السياحة.

 استعاد بحر ينبع جاره العتيق ، سوق الليل ، فالعلاقة بين الموانئ و الأسواق لا يمكن فصلها ، تم إعادة تصميم السوق معماريا كما اعتاد البحر على رؤيته بذات الروح العتيقة، وبأبواب الخشب ذات الصرير، و”التلكك” عند الإغلاق. لقد تم الاستناد إلى ذاكرة كبار السن، وبقايا الخشب في المكان؛ من أجل استرجاع التفاصيل الدقيقة للسوق القديمة.


في المدن العتيقة يجب عدم الاستعجال؛ فكل شيء يستحق التأمل، بما في ذلك التجاعيد على وجوه كبار الباعة، أو على أيادي سيدات متقدمات في العمر يمددن لك “الفكة” الباقية من دراهم قيمة مشترياتك؛ فالجميع ههنا يؤمن بأن الذي أعاد هذا السوق من “الأنقاض” إلى الحياة، سيرزقهم قوتهم، وصحتهم، ونعمة اليوم العادي.


يتوافق الطقس العام في البلدات التاريخية (ينبع، وجدة، وغيرهما) مع مزاج رحلة عائلية لنصف يوم على الأقل، مقروناً بوجبة غداء أو عشاء في أحد المطاعم البالغ عمر غالبيتها سبعين عاماً، بينما عدم السماح للسيارات بالدخول يعطي راحة بال على سلامة الأطفال.

كانت إعادة بناء ينبع التاريخية أكبر بكثير من مجرد رسومات هندسية، وميزانية مالية عالية، بل هو نوع من إعادة بناء موروث أجداد، وزرعه في وعي الأجيال، وتحويل الصخر إلى بنك ذاكرة (يو أس بي) يحفظ ملفات التاريخ من التلف، وأيضا إعادة فتح نوافذ رزق كانت موجودة ههنا؛ كانت تربط الأجداد بالأرزاق القادمة من السماء؛ فورث الأحفاد عن أجدادهم، وتدفقت الأرزاق والدعاء مجدداً.


عاشت الأسواق العتيقة مهامها بصفتها أكثر من مجرد مقايضة وصفقات تجارية، كانت -كما يقول لك الآن سوق السور في ينبع (ينبع التاريخية)- تبيع بالمجان أرغفة الحكمة، والألفة، والمحبة، والتعارف، والتكاتف؛ لذلك عندما تتواجد في سوق عتيق لا تستعجل الرحيل، ولا تستعجل الشراء، وعندها سوف تجد بضائع مجانية من تجارب الصبر والأمل.


تحقق “ينبع التاريخية “وقتها القياسي عند اقتران المساء مع مواسم الشتاء؛ فمجاورته للبحر (بينهما مسافة عشرات الأمتار فقط) تجعل الليل حاضناً لنسمات برد معتدل، ولسعة شتاء غير قارص، وبعض الارتعاش الخفيف، وكأس شاي بالحليب الممزوج مع لمسة زنجبيل يكفي لإزاحة الشعور بالبرد، ثم بقية الوقت للتأمل إذا كنت مُنفرداً أو للسمر إذا كنت مُصطحباً.

syyaha admin

Recent Posts

تقرير كيندريل وAWS يكشف عن فجوة في جاهزية الأمن السيبراني للشركات العالمية

أصدرت كيندريل (رمزها في بورصة نيويورك: KD)، أكبر مزود لخدمات البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات في العالم،…

28 دقيقة ago

حتّا تستضيف الدورة الثانية من تحدي دبي للتجديف ضمن فعاليات تحدي دبي للياقة 2024

استضافت حتّا أمس، الدورة الثانية من تحدي دبي للتجديف، حيث حقق التحدي نجاحاً لافتاً متفوقاً…

16 ساعة ago

منتجع مازاغان يحتفل بعيد ميلاده ال15

يحتفل منتجع مازاغان اليوم بمرور خمسة عشر عاما من التميز والابتكار في مجال الخدمات الفندقية.…

19 ساعة ago

المكتب الوطني الألماني للسياحة يختتم جولته الترويجية لتعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي

جولة ترويجية جالت في مدن جدة، الرياض، الكويت، الدوحة، مسقط ودبي من 27 أكتوبر إلى…

19 ساعة ago

HONOR Announces the Launch of HONOR X7c that Redefines Durability and Performance

Kingdom of Saudi Arabia, Riyadh - November 4, 2024: Global technology brand HONOR is excited…

19 ساعة ago

علامة HONOR تكشف عن هاتف HONOR X7c لإعادة تعريف معايير المتانة والأداء في الهواتف الذكية

المملكة العربية السعودية، الرياض- 4 نوفمبر 2024: أعلنت HONOR، العلامة التجارية الرائدة في مجال التكنولوجيا…

19 ساعة ago